قلت لي عند الفراق
أني امرأة ميتة
و لقنتني الشهادتين،
وأغمضت عيني،
و رحلت دامع العينين..
فمن يقنعني الآن أني ما زلت على قيد الحياة
قال لي أبي:
أن الشمس لا تبيع الدفء مجاناً إلا لي
و أن القمر لا يهب النور بلا ثمن إلا لي
و أني إذا ما حزنت تفجرت براكين الأرض
و إذا ما غضبت زلزلت الأرض لأجلي
و أن الشتاء لا يأتي... و الربيع لا يزهر... و البحر لا يثور...
و العصافير لا تغرد... إلا لأجلي
و صدقت كل ما قاله أبي
و لكنني في حصة الجيولوجيا فقط...
اكتشفت خديعة أبي
قالت لي معلمة العلوم:
أن للانسان عينين... و يدين... و شفتين... و قدمين... و أذنين...
و رأساً واحداً... و لسانا واحداً... و قلبا واحداً... و وطنا واحداً.
فكنت أسهر ليل طفولتي استذكر دروس العلوم
و حين كبرت... أحرقت كل كتب العلوم
لأنني اكتشفت أن للبعض أكثر من عينين... و أكثر من يدين... و أكثر من أذنين... و أكثر من لسان... و أكثر من قلب... و ربما أكثر من وطن!!
قالت لي معلمة الرياضيات:
أن (1+1) لا يساوي إلا (2)
و حين كبرت... اكتشفت أن (1+1) قد يساوي حباً..
و قد يساوي حلما... و قد يساوي لعبة... و قد يساوي نزوة...
و قد يساوي فرحا... و قد يساوي جرحا... و قد يساوي خطيئة
ففي زماننا هذا... و في أغلب الأحيان...
لا يكون ثالث الاثنين إلا شيطان رجيم
قال لي أحد الشعراء:
أن هناك خلف الشمس مدينة دافئة ممطرة
عصافيرها بلون زهورها
و حبات المطر فوق نوافذها كحبات اللوز الناضج
و للكائنات فيها أجسام شفافة
و القلوب فيها لا تجيد سوى الحب
و الألسن لا تنطق سوى الصدق
و العقول لا تمارس سوى الإبداع
و الأجساد لا تتقن سوى الفضيلة
بحورها من الشهد... و ترابها من الذهب المطحون
و جبالها من اللؤلؤ المكنون
و فيها طفلة تشبهني كثيراً... و أميراً يهيم بي جنوناً
فصدقت كل ما قال... و سررت بما سمعت
و حين هممت باتباعه تذكرت قول الله تعالى " و الشعراء يتبعهم الغاوون"
فتراجعت...
قال لي أول الأحبة في قلبي:
سأبني لك قصرا اسطورياً... كل ما فيه ينبض بحبك... حتى حجارته
و سأهبك طفلاً خرافياً... كل ما فيه يعترف بحبي لك
و سأفجر تحت قدميك نهر عسل بلون عينيك
و سأزرع في يدك وردة لا تذبل
و سأرسم فوق جبينك... شمساً لا تغيب
قال، وقال، وقال...
و حين صحونا من شهد التمني
شيع كلانا صاحبه بقول إحسان عبد القدوس:
" في حياة كل منا وهم جميل... اسمه الحب الأول "
آخر الكلام :
كلما أغمضت عيني
رأيتك في خيالي المظلم
و كلما فتحتهما
أختفيت من امامي كالسراب
فأدركت أنك رجل
لا يظهر إلا في الظلام